في رحاب اية
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
في رحاب اية
سورة الضحى
وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2)
تعريف بسورة الضحى
هذه السورة بموضوعها , وتعبيرها , ومشاهدها , وظلالها وإيقاعها , لمسة من حنان . ونسمة من رحمة , وطائف من ود . ويد حانية تمسح على الآلام والمواجع , وتنسم بالروح والرضى والأمل . وتسكب البرد والطمأنينة واليقين .
إنها كلها خالصة للنبي [ ص ] كلها نجاء له من ربه , وتسرية وتسلية وترويح وتطمين . كلها أنسام من الرحمة وأنداء من الود , وألطاف من القربى , وهدهدة للروح المتعب , والخاطر المقلق , والقلب الموجوع .
ورد في روايات كثيرة أن الوحي فتر عن رسول الله [ ص ] وأبطأ عليه جبريل - عليه السلام - فقال المشركون:ودع محمدا ربه ! فأنزل الله تعالى هذه السورة . .
والوحي ولقاء جبريل والاتصال بالله , كانت هي زاد الرسول [ ص ] في مشقة الطريق . وسقياه في هجير الجحود . وروحه في لأواء التكذيب . وكان [ ص ] يحيا بها في هذه الهاجرة المحرقة التي يعانيها في النفوس النافرة الشاردة العصية العنيدة . ويعانيها في المكر والكيد والأذى المصبوب على الدعوة , وعلى الإيمان , وعلى الهدى من طغاة المشركين .
فلما فتر الوحي انقطع عنه الزاد , وانحبس عنه الينبوع , واستوحش قلبه من الحبيب . وبقي للهاجرة وحده . بلا زاد . وبلا ري . وبغير ما اعتاد من رائحة الحبيب الودود . وهو أمر أشد من الاحتمال من جميع الوجوه . .
عندئذ نزلت هذه السورة . نزل هذا الفيض من الود والحب والرحمة والإيناس والقربى والأمل والرضى والطمأنينة واليقين .
مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)
(ما ودعك ربك وما قلى . وللآخرة خير لك من الأولى . ولسوف يعطيك ربك فترضى). .
وما تركك ربك من قبل أبدا , وما قلاك من قبل قط , وما أخلاك من رحمته ورعايته وإيوائه . .
(ألم يجدك يتيما فآوى ? ووجدك ضالا فهدى ? ووجدك عائلا فأغنى ?). .
ألا تجد مصداق هذا في حياتك ? ألا تحس مس هذا في قلبك ? ألا ترى أثر هذا في واقعك ?
لا . لا . .(ما ودعك ربك وما قلى). . وما انقطع عنك بره وما ينقطع أبدا . .(وللآخرة خير لك من الأولى). . وهناك ما هو أكثر وأوفى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى)!
ومع هذه الأنسام اللطيفة من حقيقة الأمر وروحه . . الأنسام اللطيفة في العبارة والإيقاع . . وفي الإطار الكوني الذي وضعت فيه هذه الحقيقة: (والضحى . والليل إذا سجى). .
"لقد أطلق التعبير جوا من الحنان اللطيف , والرحمة الوديعة , والرضى الشامل , والشجى الشفيف: (ما ودعك ربك وما قلى . وللآخرة خير لك من الأولى . ولسوف يعطيك ربك فترضى). .(ألم يجدك يتيما فآوى ? ووجدك ضالا فهدى ? ووجدك عائلا فأغنى ?). . ذلك الحنان . وتلك الرحمة . وذاك الرضى . وهذا الشجى:تنسرب كلها من خلال النظم اللطيف العبارة , الرقيق اللفظ , ومن هذه الموسيقى السارية في التعبير . الموسيقى الرتيبة الحركات , الوئيدة الخطوات , الرقيقة الأصداء , الشجية الإيقاع . . فلما أراد إطارا لهذا الحنان اللطيف , ولهذه الرحمة الوديعة , ولهذا الرضى الشامل , ولهذا الشجي الشفيف , جعل الإطار من الضحى الرائق , ومن الليل الساجي . أصفى آنين من آونة الليل والنهار . وأشف آنين تسري فيهما التأملات . وتتصل الروح بالوجود وخالق الوجود . وتحس بعبادة الكون كله لمبدعه , وتوجهه لبارئه بالتسبيح والفرح والصفاء . وصورهما في اللفظ المناسب . فالليل هو (الليل إذا سجى), لا الليل على إطلاقه بوحشته وظلامه . الليل الساجي الذي يرق ويسكن ويصفو , وتغشاه سحابة رقيقة من الشجى الشفيف , والتأمل الوديع . كجو اليتم والعيلة . ثم ينكشف ويجلي مع الضحى الرائق الصافي . . فتلتئم ألوان الصورة مع ألوان الإطار . ويتم التناسق والإتساق" .
إن هذا الإبداع في كمال الجمال ليدل على الصنعة . صنعة الله التي لا تماثلها صنعة , ولا يتلبس بها تقليد !
(والضحى . والليل إذا سجى . ما ودعك ربك . وما قلى . وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى). .
يقسم الله سبحانه - بهذين الآنين الرائقين الموحيين . فيربط بين ظواهر الكون ومشاعر النفس . ويوحي إلى القلب البشري بالحياة الشاعرة المتجاوبة مع هذا الوجود الجميل الحي , المتعاطف مع كل حي . فيعيش ذلك القلب في أنس من هذا الوجود , غير موحش ولا غريب فيه فريد . . وفي هذه السورة بالذات يكون لهذا الأنس وقعه . فظل الأنس هو المراد مده . وكأنما يوحي الله لرسوله [ ص ] منذ مطلع السورة , أن ربه أفاض من حوله الأنس في هذا الوجود , وأنه من ثم غير مجفو فيه ولا فريد !
وبعد هذا الإيحاء الكوني يجيء التوكيد المباشر: (ما ودعك ربك وما قلى). . ما تركك ربك ولا جافاك - كما زعم من يريدون إيذاء روحك وإيجاع قلبك وإقلاق خاطرك . . وهو(ربك)وأنت عبده المنسوب إليه , المضاف إلى ربوبيته , وهو راعيك وكافلك . .
وما غاض معين فضله وفيض عطائه . فإن لك عنده في الآخرة من الحسنى خيرا مما يعطيك منها في الدنيا: (وللآخرة خير لك من الأولى). . فهو الخير أولا وأخيرا . .
وإنه ليدخر لك ما يرضيك من التوفيق في دعوتك , وإزاحة العقبات من طريقك , وغلبة منهجك , وظهور حقك . . وهي الأمور التي كانت تشغل باله [ ص ] وهو يواجه العناد والتكذيب والأذى والكيد . . والشماتة . .(ولسوف يعطيك ربك فترضى). .
ويمضي سياق السورة يذكر الرسول [ ص ] ما كان من شأن ربه معه منذ أول الطريق . ليستحضر في خاطره جميل صنع ربه به , ومودته له , وفيضه عليه , ويستمتع باستعادة مواقع الرحمة والود والإيناس الإلهي . وهو متاع فائق تحييه الذكرى على هذا النحو البديع: (ألم يجدك يتيما فآوى ? ووجدك ضالا فهدى ? ووجدك عائلا فأغنى ?). .
انظر في واقع حالك , وماضي حياتك . . هل ودعك ربك وهل قلاك - حتى قبل أن يعهد إليك بهذا الأمر ? - ألم تحط يتمك رعايته ? ألم تدرك حيرتك هدايته ? ألم يغمر فقرك عطاؤه ?
لقد ولدت يتيما فآواك إليه , وعطف عليك القلوب حتى قلب عمك أبي طالب وهو على غير دينك !
ولقد كنت فقيرا فأغنى الله نفسك بالقناعة , كما أغناك بكسبك ومال أهل بيتك [ خديجة رضي الله عنها ] عن أن تحس الفقر , أو تتطلع إلى ما حولك من ثراء !
ثم لقد نشأت في جاهلية مضطربة التصورات والعقائد , منحرفة السلوك والأوضاع , فلم تطمئن روحك إليها . ولكنك لم تكن تجد لك طريقا واضحا مطمئنا . لا فيما عند الجاهلية ولا فيما عند أتباع موسى وعيسى الذين حرفوا وبدلوا وانحرفوا وتاهوا . . ثم هداك الله بالأمر الذي أوحي به إليك , وبالمنهج الذي يصلك به .
والهداية من حيرة العقيدة وضلال الشعاب فيها هي المنة الكبرى , التي لا تعدلها منة ; وهي الراحة والطمأنينة من القلق الذي لا يعدله قلق ; ومن التعب الذي لا يعدله تعب , ولعلها كانت بسبب مما كان رسول الله [ ص ] يعانيه في هذه الفترة , من انقطاع الوحي وشماتة المشركين ووحشة الحبيب من الحبيب . فجاءت هذه تذكره وتطمئنه على أن ربه لن يتركه بلا وحي في التيه وهو لم يتركه من قبل في الحيرة والتيه !
وبمناسبة ما ذكره ربه بإيوائه من اليتم , وهدايته من الحيرة وإغنائه من العيلة . . يوجهه ويوجه المسلمين من ورائه إلى رعاية كل يتيم , وإلى كفاية كل سائل , وإلى التحدث بنعمة الله الكبرى عليه , وفي أولها:الهداية إلى هذا الدين:
(فأما اليتيم فلا تقهر . وأما السائل فلا تنهر . وأما بنعمة ربك فحدث). .
وهذه التوجيهات إلى إكرام اليتيم والنهي عن قهره وكسر خاطره وإذلاله , وإلى إغناء السائل مع الرفق به والكرامة , كانت - كما ذكرنا مرارا - من أهم إيحاءات الواقع في البيئة الجاحدة المتكالبة , التي لا ترعىحق ضعيف , غير قادر على حماية حقه بسيفه ! حيث رفع الإسلام هذه البيئة بشرعة الله إلى الحق والعدل , والتحرج والتقوى , والوقوف عند حدود الله , الذي يحرس حدوده ويغار عليها ويغضب للاعتداء على حقوق عباده الضعفاف الذين لا يملكون قوة ولا سيفا يذودون به عن هذه الحقوق .
وأما التحدث بنعمة الله - وبخاصة نعمة الهدى والإيمان - فهو صورة من صور الشكر للمنعم . يكملها البر بعباده , وهو المظهر العملي للشكر , والحديث الصامت النافع الكريم . .
وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2)
تعريف بسورة الضحى
هذه السورة بموضوعها , وتعبيرها , ومشاهدها , وظلالها وإيقاعها , لمسة من حنان . ونسمة من رحمة , وطائف من ود . ويد حانية تمسح على الآلام والمواجع , وتنسم بالروح والرضى والأمل . وتسكب البرد والطمأنينة واليقين .
إنها كلها خالصة للنبي [ ص ] كلها نجاء له من ربه , وتسرية وتسلية وترويح وتطمين . كلها أنسام من الرحمة وأنداء من الود , وألطاف من القربى , وهدهدة للروح المتعب , والخاطر المقلق , والقلب الموجوع .
ورد في روايات كثيرة أن الوحي فتر عن رسول الله [ ص ] وأبطأ عليه جبريل - عليه السلام - فقال المشركون:ودع محمدا ربه ! فأنزل الله تعالى هذه السورة . .
والوحي ولقاء جبريل والاتصال بالله , كانت هي زاد الرسول [ ص ] في مشقة الطريق . وسقياه في هجير الجحود . وروحه في لأواء التكذيب . وكان [ ص ] يحيا بها في هذه الهاجرة المحرقة التي يعانيها في النفوس النافرة الشاردة العصية العنيدة . ويعانيها في المكر والكيد والأذى المصبوب على الدعوة , وعلى الإيمان , وعلى الهدى من طغاة المشركين .
فلما فتر الوحي انقطع عنه الزاد , وانحبس عنه الينبوع , واستوحش قلبه من الحبيب . وبقي للهاجرة وحده . بلا زاد . وبلا ري . وبغير ما اعتاد من رائحة الحبيب الودود . وهو أمر أشد من الاحتمال من جميع الوجوه . .
عندئذ نزلت هذه السورة . نزل هذا الفيض من الود والحب والرحمة والإيناس والقربى والأمل والرضى والطمأنينة واليقين .
مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى ( فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)
(ما ودعك ربك وما قلى . وللآخرة خير لك من الأولى . ولسوف يعطيك ربك فترضى). .
وما تركك ربك من قبل أبدا , وما قلاك من قبل قط , وما أخلاك من رحمته ورعايته وإيوائه . .
(ألم يجدك يتيما فآوى ? ووجدك ضالا فهدى ? ووجدك عائلا فأغنى ?). .
ألا تجد مصداق هذا في حياتك ? ألا تحس مس هذا في قلبك ? ألا ترى أثر هذا في واقعك ?
لا . لا . .(ما ودعك ربك وما قلى). . وما انقطع عنك بره وما ينقطع أبدا . .(وللآخرة خير لك من الأولى). . وهناك ما هو أكثر وأوفى: (ولسوف يعطيك ربك فترضى)!
ومع هذه الأنسام اللطيفة من حقيقة الأمر وروحه . . الأنسام اللطيفة في العبارة والإيقاع . . وفي الإطار الكوني الذي وضعت فيه هذه الحقيقة: (والضحى . والليل إذا سجى). .
"لقد أطلق التعبير جوا من الحنان اللطيف , والرحمة الوديعة , والرضى الشامل , والشجى الشفيف: (ما ودعك ربك وما قلى . وللآخرة خير لك من الأولى . ولسوف يعطيك ربك فترضى). .(ألم يجدك يتيما فآوى ? ووجدك ضالا فهدى ? ووجدك عائلا فأغنى ?). . ذلك الحنان . وتلك الرحمة . وذاك الرضى . وهذا الشجى:تنسرب كلها من خلال النظم اللطيف العبارة , الرقيق اللفظ , ومن هذه الموسيقى السارية في التعبير . الموسيقى الرتيبة الحركات , الوئيدة الخطوات , الرقيقة الأصداء , الشجية الإيقاع . . فلما أراد إطارا لهذا الحنان اللطيف , ولهذه الرحمة الوديعة , ولهذا الرضى الشامل , ولهذا الشجي الشفيف , جعل الإطار من الضحى الرائق , ومن الليل الساجي . أصفى آنين من آونة الليل والنهار . وأشف آنين تسري فيهما التأملات . وتتصل الروح بالوجود وخالق الوجود . وتحس بعبادة الكون كله لمبدعه , وتوجهه لبارئه بالتسبيح والفرح والصفاء . وصورهما في اللفظ المناسب . فالليل هو (الليل إذا سجى), لا الليل على إطلاقه بوحشته وظلامه . الليل الساجي الذي يرق ويسكن ويصفو , وتغشاه سحابة رقيقة من الشجى الشفيف , والتأمل الوديع . كجو اليتم والعيلة . ثم ينكشف ويجلي مع الضحى الرائق الصافي . . فتلتئم ألوان الصورة مع ألوان الإطار . ويتم التناسق والإتساق" .
إن هذا الإبداع في كمال الجمال ليدل على الصنعة . صنعة الله التي لا تماثلها صنعة , ولا يتلبس بها تقليد !
(والضحى . والليل إذا سجى . ما ودعك ربك . وما قلى . وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى). .
يقسم الله سبحانه - بهذين الآنين الرائقين الموحيين . فيربط بين ظواهر الكون ومشاعر النفس . ويوحي إلى القلب البشري بالحياة الشاعرة المتجاوبة مع هذا الوجود الجميل الحي , المتعاطف مع كل حي . فيعيش ذلك القلب في أنس من هذا الوجود , غير موحش ولا غريب فيه فريد . . وفي هذه السورة بالذات يكون لهذا الأنس وقعه . فظل الأنس هو المراد مده . وكأنما يوحي الله لرسوله [ ص ] منذ مطلع السورة , أن ربه أفاض من حوله الأنس في هذا الوجود , وأنه من ثم غير مجفو فيه ولا فريد !
وبعد هذا الإيحاء الكوني يجيء التوكيد المباشر: (ما ودعك ربك وما قلى). . ما تركك ربك ولا جافاك - كما زعم من يريدون إيذاء روحك وإيجاع قلبك وإقلاق خاطرك . . وهو(ربك)وأنت عبده المنسوب إليه , المضاف إلى ربوبيته , وهو راعيك وكافلك . .
وما غاض معين فضله وفيض عطائه . فإن لك عنده في الآخرة من الحسنى خيرا مما يعطيك منها في الدنيا: (وللآخرة خير لك من الأولى). . فهو الخير أولا وأخيرا . .
وإنه ليدخر لك ما يرضيك من التوفيق في دعوتك , وإزاحة العقبات من طريقك , وغلبة منهجك , وظهور حقك . . وهي الأمور التي كانت تشغل باله [ ص ] وهو يواجه العناد والتكذيب والأذى والكيد . . والشماتة . .(ولسوف يعطيك ربك فترضى). .
ويمضي سياق السورة يذكر الرسول [ ص ] ما كان من شأن ربه معه منذ أول الطريق . ليستحضر في خاطره جميل صنع ربه به , ومودته له , وفيضه عليه , ويستمتع باستعادة مواقع الرحمة والود والإيناس الإلهي . وهو متاع فائق تحييه الذكرى على هذا النحو البديع: (ألم يجدك يتيما فآوى ? ووجدك ضالا فهدى ? ووجدك عائلا فأغنى ?). .
انظر في واقع حالك , وماضي حياتك . . هل ودعك ربك وهل قلاك - حتى قبل أن يعهد إليك بهذا الأمر ? - ألم تحط يتمك رعايته ? ألم تدرك حيرتك هدايته ? ألم يغمر فقرك عطاؤه ?
لقد ولدت يتيما فآواك إليه , وعطف عليك القلوب حتى قلب عمك أبي طالب وهو على غير دينك !
ولقد كنت فقيرا فأغنى الله نفسك بالقناعة , كما أغناك بكسبك ومال أهل بيتك [ خديجة رضي الله عنها ] عن أن تحس الفقر , أو تتطلع إلى ما حولك من ثراء !
ثم لقد نشأت في جاهلية مضطربة التصورات والعقائد , منحرفة السلوك والأوضاع , فلم تطمئن روحك إليها . ولكنك لم تكن تجد لك طريقا واضحا مطمئنا . لا فيما عند الجاهلية ولا فيما عند أتباع موسى وعيسى الذين حرفوا وبدلوا وانحرفوا وتاهوا . . ثم هداك الله بالأمر الذي أوحي به إليك , وبالمنهج الذي يصلك به .
والهداية من حيرة العقيدة وضلال الشعاب فيها هي المنة الكبرى , التي لا تعدلها منة ; وهي الراحة والطمأنينة من القلق الذي لا يعدله قلق ; ومن التعب الذي لا يعدله تعب , ولعلها كانت بسبب مما كان رسول الله [ ص ] يعانيه في هذه الفترة , من انقطاع الوحي وشماتة المشركين ووحشة الحبيب من الحبيب . فجاءت هذه تذكره وتطمئنه على أن ربه لن يتركه بلا وحي في التيه وهو لم يتركه من قبل في الحيرة والتيه !
وبمناسبة ما ذكره ربه بإيوائه من اليتم , وهدايته من الحيرة وإغنائه من العيلة . . يوجهه ويوجه المسلمين من ورائه إلى رعاية كل يتيم , وإلى كفاية كل سائل , وإلى التحدث بنعمة الله الكبرى عليه , وفي أولها:الهداية إلى هذا الدين:
(فأما اليتيم فلا تقهر . وأما السائل فلا تنهر . وأما بنعمة ربك فحدث). .
وهذه التوجيهات إلى إكرام اليتيم والنهي عن قهره وكسر خاطره وإذلاله , وإلى إغناء السائل مع الرفق به والكرامة , كانت - كما ذكرنا مرارا - من أهم إيحاءات الواقع في البيئة الجاحدة المتكالبة , التي لا ترعىحق ضعيف , غير قادر على حماية حقه بسيفه ! حيث رفع الإسلام هذه البيئة بشرعة الله إلى الحق والعدل , والتحرج والتقوى , والوقوف عند حدود الله , الذي يحرس حدوده ويغار عليها ويغضب للاعتداء على حقوق عباده الضعفاف الذين لا يملكون قوة ولا سيفا يذودون به عن هذه الحقوق .
وأما التحدث بنعمة الله - وبخاصة نعمة الهدى والإيمان - فهو صورة من صور الشكر للمنعم . يكملها البر بعباده , وهو المظهر العملي للشكر , والحديث الصامت النافع الكريم . .
رد: في رحاب اية
يسلموووووو
الدلوعة- عضو مجتهد
- عدد المساهمات : 262
نقاط : 326
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 15/12/2009
العمر : 28
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى